فصل: فصل: إذا تزوج معتدة وهما عالمان بالعدة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ولو طلقها أو مات عنها‏,‏ وهي حامل منه لم تنقض عدتها إلا بوضع الحمل أمة كانت أو حرة‏]‏

أجمع أهل العلم في جميع الأعصار‏,‏ على أن المطلقة الحامل تنقضي عدتها بوضع حملها وكذلك كل مفارقة في الحياة وأجمعوا أيضا على أن المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملا أجلها وضع حملها إلا ابن عباس‏,‏ وروي عن على من وجه منقطع أنها تعتد بأقصى الأجلين وقاله أبو السنابل بن بعكك في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- فرد عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله‏,‏ وقد روي عن ابن عباس أنه رجع إلى قول الجماعة لما بلغه حديث سبيعة وكره الحسن والشعبي أن تنكح في دمها ويحكى عن حماد وإسحاق أن عدتها لا تنقضي حتى تطهر وأبي سائر أهل العلم هذا القول وقالوا‏:‏ لو وضعت بعد ساعة من وفاة زوجها‏,‏ حل لها أن تتزوج ولكن لا يطؤها زوجها حتى تطهر من نفاسها وتغتسل وذلك لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن‏}‏ وروي عن أبي بن كعب‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏قلت للنبى -صلى الله عليه وسلم- وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن للمطلقة ثلاثا أو للمتوفى عنها‏؟‏ قال هي للمطلقة ثلاثا وللمتوفى عنها‏)‏ وقال ابن مسعود من شاء باهلته أو لاعنته‏:‏ إن الآية التي في سورة النساء القصرى‏:‏ ‏{‏وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن‏}‏ نزلت بعد التي في سورة البقرة‏:‏ ‏{‏والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا‏}‏ يعني أن هذه الآية هي الأخيرة فتقدم على ما خالفها من عموم الآية المتقدمة‏,‏ ويخص بها عمومها وروى عبد الله بن الأرقم ‏(‏أن سبيعة الأسلمية أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة وتوفى عنها في حجة الوداع وهي حامل‏,‏ فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب‏,‏ فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك فقال‏:‏ ما لي أراك متجملة لعلك ترجين النكاح‏؟‏ إنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر قالت سبيعة‏:‏ فلما قال لي ذلك‏,‏ جمعت على ثيأبي حين أمسيت فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسألته عن ذلك فأفتاني‏,‏ بأنى قد حللت حين وضعت حملي فأمرني بالتزويج إن بدا لي‏)‏ متفق عليه وقال ابن عبد البر هذا حديث صحيح قد جاء من وجوه شتى‏,‏ كلها ثابتة إلا ما روي عن ابن عباس وروي عن على من وجه منقطع ولأنها معتدة حامل فتنقضى عدتها بوضعه كالمطلقة‏,‏ يحققه أن العدة إنما شرعت لمعرفة براءتها من الحمل ووضعه أدل الأشياء على البراءة منه فوجب أن تنقضي به العدة‏,‏ ولأنه لا خلاف في بقاء العدة ببقاء الحمل فوجب أن تنقضي به كما في حق المطلقة‏.‏

فصل

وإذا كان الحمل واحدا‏,‏ انقضت العدة بوضعه وانفصال جميعه وإن ظهر بعضه‏,‏ فهي في عدتها حتى ينفصل باقيه لأنها لا تكون واضعة لحملها ما لم يخرج كله وإن كان الحمل اثنين أو أكثر لم تنقض عدتها إلا بوضع الآخر لأن الحمل هو الجميع هذا قول جماعة أهل العلم إلا أبا قلابة وعكرمة‏,‏ فإنهما قالا‏:‏ تنقضي عدتها بوضع الأول ولا تتزوج حتى تضع الآخر وذكر ابن أبي شيبة عن قتادة عن عكرمة أنه قال‏:‏ إذا وضعت أحدهما‏,‏ فقد انقضت عدتها قيل له‏:‏ فتتزوج‏؟‏ قال لا قال قتادة خصم العبد وهذا قول شاذ يخالف ظاهر الكتاب وقول أهل العلم والمعنى فإن العدة شرعت لمعرفة البراءة من الحمل‏,‏ فإذا علم وجود الحمل فقد تيقن وجود الموجب للعدة وانتفت البراءة الموجبة لانقضائها‏,‏ ولأنها لو انقضت عدتها بوضع الأول لأبيح لها النكاح كما لو وضعت الآخر فإن وضعت ولدا‏,‏ وشكت في وجود ثان لم تنقض عدتها حتى تزول الريبة وتتيقن أنها لم يبق معها حمل لأن الأصل بقاؤها‏,‏ فلا يزول بالشك‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏والحمل الذي تنقضى به العدة ما يتبين فيه شيء من خلق الإنسان حرة كانت أو أمة‏]‏

وجملة ذلك‏,‏ أن المرأة إذا ألقت بعد فرقة زوجها شيئا لم يخل من خمسة أحوال‏:‏ أحدها أن تضع ما بان فيه خلق الآدمي‏,‏ من الرأس واليد والرجل فهذا تنقضي به العدة بلا خلاف بينهم قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم‏,‏ على أن عدة المرأة تنقضي بالسقط إذا علم أنه ولد وممن نحفظ عنه ذلك‏:‏ الحسن وابن سيرين وشريح والشعبي والنخعي والزهري والثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق قال الأثرم‏:‏ قلت لأبي عبد الله‏:‏ إذا نكس في الخلق الرابع‏؟‏ يعني تنقضي به العدة فقال‏:‏ إذا نكس في الخلق الرابع فليس فيه اختلاف‏,‏ ولكن إذا تبين خلقه هذا أدل وذلك لأنه إذا بان فيه شيء من خلق الآدمي علم أنه حمل فيدخل في عموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن‏}‏ الحال الثاني‏,‏ ألقت نطفة أو دما لا تدرى هل هو ما يخلق منه الآدمي أو لا‏؟‏ فهذا لا يتعلق به شيء من الأحكام لأنه لم يثبت أنه ولد لا بالمشاهدة ولا بالبينة الحال الثالث ألقت مضغة لم تبن فيها الخلقة‏,‏ فشهد ثقات من القوابل أن فيه صورة خفية بان بها أنها خلقة آدمي‏,‏ فهذا في حكم الحال الأول لأنه قد تبين بشهادة أهل المعرفة أنه ولد الحال الرابع إذا ألقت مضغة لا صورة فيها‏,‏ فشهد ثقات من القوابل أنه مبتدأ خلق آدمي فاختلف عن أحمد فنقل أبو طالب أن عدتها لا تنقضي به ولكن تصير به أم ولد لأنه مشكوك في كونه ولدا‏,‏ فلم يحكم بانقضاء العدة المتيقنة بأمر مشكوك فيه ولم يجز بيع الأمة الوالدة له مع الشك في رقها فيثبت كونها أم ولد احتياطا‏,‏ ولا تنقضي العدة احتياطا ونقل حنبل أنها تصير أم ولد ولم يذكر العدة فقال بعض أصحابنا‏:‏ على هذا تنقضي به العدة وهو قول الحسن وظاهر مذهب الشافعي لأنهم شهدوا بأنه خلقة آدمي‏,‏ أشبه ما لو تصور والصحيح أن هذا ليس برواية في العدة لأنه لم يذكرها ولم يتعرض لها الحال الخامس‏,‏ أن تضع مضغة لا صورة فيها ولم تشهد القوابل بأنها مبتدأ خلق آدمي فهذا لا تنقضي به عدة‏,‏ ولا تصير به أم ولد لأنه لم يثبت كونه ولدا ببينة ولا مشاهدة فأشبه العلقة فلا تنقضي العدة بوضع ما قبل المضغة بحال‏,‏ سواء كان نطفة أو علقة وسواء قيل‏:‏ إنه مبتدأ خلق آدمي أو لم يقل نص عليه أحمد فقال‏:‏ أما إذا كان علقة فليس بشيء‏,‏ إنما هي دم لا تنقضي به عدة ولا تعتق به أمة ولا نعلم مخالفا في هذا‏,‏ إلا الحسن فإنه قال‏:‏ إذا علم أنها حمل انقضت به العدة‏,‏ وفيه الغرة والأول أصح وعليه الجمهور وأقل ما تنقضي به العدة من الحمل أن تضعه بعد ثمانين يوما منذ أمكنه وطؤها لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏"‏ إن خلق أحدكم ليجمع في بطن أمه‏,‏ فيكون نطفة أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ‏"‏ ولا تنقضي العدة بما دون المضغة‏,‏ فوجب أن تكون بعد الثمانين فأما ما بعد الأربعة أشهر فليس فيه إشكال لأنه منكس في الخلق الرابع‏.‏

فصل

وأقل مدة الحمل ستة أشهر لما روى الأثرم‏,‏ بإسناده عن أبي الأسود أنه رفع إلى عمر أن امرأة ولدت لستة أشهر فهم عمر برجمها‏,‏ فقال له على‏:‏ ليس لك ذلك قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وحمله وفصاله ثلاثون شهرا‏}‏ فحولان وستة أشهر ثلاثون شهرا لا رجم عليها فخلى عمر سبيلها وولدت مرة أخرى لذلك الحد ورواه الأثرم أيضا عن عكرمة أن ابن عباس قال ذلك قال عاصم الأحول‏:‏ فقلت لعكرمة إنا بلغنا أن عليا قال هذا فقال عكرمة لا‏,‏ ما قال هذا إلا ابن عباس وذكر ابن قتيبة في ‏"‏ المعارف ‏"‏ أن عبد الملك بن مروان ولد لستة أشهر وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وغيرهم‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ولو طلقها‏,‏ أو مات عنها فلم تنكح حتى أتت بولد بعد طلاقه أو موته بأربع سنين لحقه الولد‏,‏ وانقضت عدتها به‏]‏

ظاهر المذهب أن أقصى مدة الحمل أربع سنين وبه قال الشافعي وهو المشهور عن مالك وروي عن أحمد أن أقصى مدته سنتان وروي ذلك عن عائشة وهو مذهب الثوري وأبي حنيفة لما روت جميلة بنت سعد عن عائشة لا تزيد المرأة على السنتين في الحمل ولأن التقدير إنما يعلم بتوقيف أو اتفاق‏,‏ ولا توقيف ها هنا ولا اتفاق إنما هو على ما ذكرنا وقد وجد ذلك‏,‏ فإن الضحاك بن مزاحم وهرم بن حيان حملت أم كل واحد منهما به سنتين وقال الليث أقصاه ثلاث سنين حملت مولاة لعمر بن عبد الله ثلاث سنين وقال عباد بن العوام‏:‏ خمس سنين وعن الزهري قال‏:‏ قد تحمل المرأة ست سنين وسبع سنين وقال أبو عبيد‏:‏ ليس لأقصاه وقت يوقف عليه ولنا أن ما لا نص فيه‏,‏ يرجع فيه إلى الوجود وقد وجد الحمل لأربع سنين فروى الوليد بن مسلم قال‏:‏ قلت لمالك بن أنس‏:‏ حديث جميلة بنت سعد‏,‏ عن عائشة‏:‏ لا تزيد المرأة على السنتين في الحمل قال مالك‏:‏ سبحان الله من يقول هذا‏؟‏ هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان تحمل أربع سنين قبل أن تلد وقال الشافعي بقي محمد بن عجلان في بطن أمه أربع سنين وقال أحمد نساء بني عجلان يحملن أربع سنين وامرأة عجلان حملت ثلاث بطون كل دفعة أربع سنين وبقي محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي في بطن أمه أربع سنين وهكذا إبراهيم بن نجيح العقيلي‏,‏ حكى ذلك أبو الخطاب وإذا تقرر وجوده وجب أن يحكم به ولا يزاد عليه لأنه ما وجد‏,‏ ولأن عمر ضرب لامرأة المفقود أربع سنين ولم يكن ذلك إلا لأنه غاية الحمل وروي ذلك عن عثمان وعلي وغيرهما إذا ثبت هذا‏,‏ فإن المرأة إذا ولدت لأربع سنين فما دون من يوم موت الزوج أو طلاقه ولم تكن تزوجت‏,‏ ولا وطئت ولا انقضت عدتها بالقروء ولا بوضع الحمل‏,‏ فإن الولد لاحق بالزوج وعدتها منقضية به‏.‏

فصل

وإن أتت بالولد لأربع سنين منذ مات أو بانت منه بطلاق أو فسخ أو انقضاء عدتها إن كانت رجعية لم يلحقه ولدها لأننا نعلم أنها علقت به بعد زوال النكاح‏,‏ والبينونة منه وكونها قد صارت منه أجنبية فأشبهت سائر الأجنبيات ومفهوم كلام الخرقي أن عدتها لا تنقضي به لأنه لا ينتفي عنه بغير لعان‏,‏ فلم تنقض عدتها منه بوضعه كما لو أتت به لأقل من ستة أشهر منذ نكحها وقال أبو الخطاب‏:‏ هل تنقضي به العدة‏؟‏ على وجهين وذكر القاضي أن عدتها تنقضي به وهو مذهب الشافعي لأنه ولد يمكن أن يكون منه بعد نكاحه‏,‏ بأن يكون قد وطئها بشبهة أو جدد نكاحها فوجب أن تنقضي به العدة‏,‏ وإن لم يلحق به كالولد المنفي باللعان وبهذا فارق الذي أتت به لأقل من ستة أشهر‏,‏ فإنه ينتفي عنه يقينا ثم ناقضوا قولهم فقالوا‏:‏ لو تزوجت في عدتها وأتت بولد لأقل من ستة أشهر من حين دخل بها الثاني‏,‏ ولأكثر من أربع سنين من حين بانت من الأول فالولد منتف عنهما ولا تنقضي عدتها بوضعه عن واحد منهما وهذا أصح فإن احتمال كونه منه‏,‏ لم يكف في إثبات نسب الولد منه مع أنه يثبت بمجرد الإمكان فلأن لا يكفي في انقضاء العدة أولى وأحرى وما ذكروه منتقض بما سلموه وما ذكروه من الفرق بين هذا وبين الذي أتت به لأقل من ستة أشهر غير صحيح فإنه يحتمل أن يكون أصابها قبل نكاحها بشبهة‏,‏ أو بنكاح غير هذا النكاح الذي أتت بالولد فيه فاستويا وأما المنفي باللعان فإنا نفينا الولد عن الزوج بالنسبة إليه ونفينا حكمه في كونه منه بالنسبة إليها‏,‏ حتى أوجبنا الحد على قاذفها وقاذف ولدها وانقضاء عدتها من الأحكام المتعلقة بها دونه فثبتت‏.‏

فصل

وإن أقرت المرأة بانقضاء عدتها بالقروء‏,‏ ثم أتت بولد لستة أشهر فصاعدا من بعد انقضائها لم يلحق نسبه بالزوج وبه قال أبو حنيفة وابن سريج‏,‏ وقال مالك والشافعي يلحق به ما لم تتزوج أو يبلغ أربع سنين وكلام الخرقي يحتمل ذلك فإنه أطلق قوله‏:‏ إذا أتت بولد بعد طلاقه أو موته بأربع سنين لحقه الولد وذلك لأنه ولد يمكن كونه منه‏,‏ وليس معه من هو أولى منه ولا من يساويه فوجب أن يلحق به‏,‏ كما لو أتت به بعد عقد النكاح ولنا أنها أتت به بعد الحكم بقضاء عدتها وحل النكاح لها بمدة الحمل فلم يلحق به‏,‏ كما لو أتت به بعد انقضاء عدتها بوضع حملها لمدة الحمل وإنما يعتبر الإمكان مع بقاء النكاح أو آثاره وقد زال ذلك وإن انقضت عدتها بالشهور‏,‏ ثم أتت بولد لدون أربع سنين لحقه نسبه لأنها إن كانت تدعى الإياس تبينا كذبها‏,‏ فإن من تحمل ليست بآيسة وإن كانت من اللائى لم يحضن أو متوفى عنها‏,‏ لحقه ولدها لأنه لم يوجد في حقها ما ينافى كونها حاملا‏.‏

فصل

وإذا مات الصغير الذي لا يولد لمثله عن زوجته فأتت بولد لم يلحقه نسبه‏,‏ ولم تنقض العدة بوضعه وتعتد بالأشهر وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة إن مات وبها حمل ظاهر اعتدت عنه بالوضع‏,‏ وإن ظهر الحمل بها بعد موته لم تعتد به وقد روي عن أحمد في الصبي مثل قول أبي حنيفة وذكره ابن أبي موسى قال أبو الخطاب وفيه بعد وهكذا الخلاف فيما إذا تزوج بامرأة ودخل بها‏,‏ وأتت بولد لدون ستة أشهر من حين عقد النكاح فإنها لا تعتد بوضعه عندنا وعنده تعتد به‏,‏ واحتج بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن‏}‏ ولنا أن هذا حمل منفي عنه يقينا فلم تعتد بوضعه كما لو ظهر بعد موته‏,‏ والآية واردة في المطلقات ثم هي مخصوصة بالقياس الذي ذكرناه إذا ثبت هذا فإن عدتها تنقضي بوضع الحمل من الوطء الذي علقت به منه‏,‏ سواء كان هذا الولد ملحقا بغير الصغير مثل أن يكون من عقد فاسد أو وطء شبهة‏,‏ أو كان من زنا لا يلحق بأحد لأن العدة تجب من كل وطء فإذا وضعته اعتدت من الصبي بأربعة أشهر وعشر لأن العدتين من رجلين لا يتداخلان وإن كانت الفرقة في الحياة بعد الدخول كزوجة كبير دخل بها‏,‏ ثم طلقها وأتت بولد لدون ستة أشهر منذ تزوجها فإنها تعتد بعد وضعه بثلاثة قروء وكذلك إذا طلق الخصي المجبوب امرأته‏,‏ أو مات عنها فأتت بولد لم يلحقه نسبه ولم تنقض عدتها بوضعه‏,‏ وتنقضي به عدة الوطء ثم تستأنف عدة الطلاق أو عدة الوفاة‏,‏ على ما بيناه وذكر القاضي أن ظاهر كلام أحمد أن الولد يلحق به لأنه قد يتصور منه الإنزال بأن يحك موضع ذكره بفرجها فينزل فعلى هذا القول يلحق به الولد وتنقضي به العدة والصحيح أن هذا لا يلحق به ولد لأنه لم تجر به عادة‏,‏ فلا يلحق به ولدها كالصبي الذي لم يبلغ عشر سنين ولو تزوج امرأة في مجلس الحاكم ثم طلقها في المجلس‏,‏ أو تزوج المشرقي بالمغربية ثم أتت بولد لا يمكن أن يكون منه بعد اجتماعهما بمدة الحمل فإنه لا يلحقه نسبه ولا تنقضي العدة بوضعه‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ولو طلقها‏,‏ أو مات عنها فلم تنقض عدتها حتى تزوجت من أصابها فرق بينهما‏,‏ وبنت على ما مضى من عدة الأول ثم استقبلت العدة من الثاني‏]‏

وجملة الأمر أن المعتدة لا يجوز لها أن تنكح في عدتها إجماعا‏,‏ أي عدة كانت لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله‏}‏ ولأن العدة إنما اعتبرت لمعرفة براءة الرحم لئلا يفضي إلى اختلاط المياه وامتزاج الأنساب وإن تزوجت فالنكاح باطل لأنها ممنوعة من النكاح لحق الزوج الأول‏,‏ فكان نكاحا باطلا كما لو تزوجت وهي في نكاحه ويجب أن يفرق بينه وبينها‏,‏ فإن لم يدخل بها فالعدة بحالها ولا تنقطع بالعقد الثاني لأنه باطل لا تصير به المرأة فراشا ولا يستحق عليه بالعقد شيء‏,‏ وتسقط سكناها ونفقتها عن الزوج الأول لأنها ناشز وإن وطئها انقطعت العدة سواء علم التحريم أو جهله وقال أبو حنيفة لا تنقطع لأن كونها فراشا لغير من له العدة لا يمنعها‏,‏ كما لو وطئت بشبهة وهي زوجة فإنها تعتد وإن كانت فراشا للزوج وقال القاضي‏:‏ إن وطئها عالما بأنها معتدة‏,‏ وأنها تحرم فهو زان فلا تنقطع العدة بوطئه لأنها لا تصير به فراشا‏,‏ ولا يلحق به نسب وإن كان جاهلا أنها معتدة أو بالتحريم‏,‏ انقطعت العدة بالوطء لأنها تصير به فراشا والعدة تراد للاستبراء وكونها فراشا ينافي ذلك‏,‏ فوجب أن يقطعها فأما طريانه عليها فلا يجوز ولنا أن هذا وطء بشبهة نكاح‏,‏ فتنقطع به العدة كما لو جهل وقولهم‏:‏ إنها لا تصير به فراشا قلنا‏:‏ لكنه لا يلحق نسب الولد الحادث من وطئه بالزوج الأول فهما شيئان إذا ثبت هذا‏,‏ فعليه فراقها فإن لم يفعل وجب التفريق بينهما‏,‏ فإن فارقها أو فرق بينهما وجب عليها أن تكمل عدة الأول لأن حقه أسبق وعدته وجبت عن وطء في نكاح صحيح‏,‏ فإذا أكملت عدة الأول وجب عليها أن تعتد من الثاني ولا تتداخل العدتان لأنهما من رجلين وهذا مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة يتداخلان‏,‏ فتأتي بثلاثة قروء بعد مفارقة الثاني تكون عن بقية عدة الأول وعدة الثاني لأن القصد معرفة براءة الرحم وهذا تحصل به براءة الرحم منهما جميعا ولنا ما روى مالك عن ابن شهاب‏,‏ عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أن طليحة كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها ونكحها غيره في عدتها‏,‏ فضربها عمر بن الخطاب وضرب زوجها ضربات بمخفقة وفرق بينهما ثم قال‏:‏ أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها‏,‏ فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول وكان خاطبا من الخطاب‏,‏ وإن كان دخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الأول‏,‏ ثم اعتدت من الآخر ولا ينكحها أبدا وروي بإسناده عن علي أنه قضى في التي تزوج في عدتها‏,‏ أنه يفرق بينهما ولها الصداق بما استحل من فرجها وتكمل ما أفسدت من عدة الأول‏,‏ وتعتد من الآخر وهذان قولا سيدين من الخلفاء لم يعرف لهما في الصحابة مخالف ولأنهما حقان مقصودان لآدميين فلم يتداخلا‏,‏ كالدينين واليمينين ولأنه حبس يستحقه الرجال على النساء فلم يجز أن تكون المرأة في حبس رجلين كحبس الزوجة‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وله أن ينكحها بعد انقضاء العدتين‏]‏

يعني للزوج الثاني أن يتزوجها بعد قضاء العدتين فأما الزوج الأول‏,‏ فإن كان طلاقه ثلاثا لم تحل له بهذا النكاح وإن وطئ فيه لأنه نكاح باطل وإن كان طلاقه دون الثلاث‏,‏ فله نكاحها أيضا بعد العدتين وإن كانت رجعية فله رجعتها في عدتها منه وعن أحمد رواية أخرى أنها تحرم على الزوج الثاني على التأبيد وهو قول مالك وقديم قولي الشافعي لقول عمر لا ينكحها أبدا ولأنه استعجل الحق قبل وقته فحرمه في وقته‏,‏ كالوارث إذا قتل موروثه ولأنه يفسد النسب فيوقع التحريم المؤبد كاللعان وقال الشافعي في الجديد‏:‏ له نكاحها بعد قضاء عدة الأول‏,‏ ولا يمنع من نكاحها في عدتها منه ولأنه وطء يلحق به النسب فلا يمنع من نكاحها في عدتها منه كالوطء في النكاح‏,‏ ولأن العدة إنما شرعت حفظا للنسب وصيانة للماء والنسب‏,‏ لاحق به ها هنا فأشبه ما لو خالعها ثم نكحها في عدتها وهذا حسن موافق للنظر ولنا على إباحتها بعد العدتين‏,‏ أنه لا يخلو إما أن يكون تحريمها بالعقد أو بالوطء في النكاح الفاسد أو بهما وجميع ذلك لا يقتضي التحريم بدليل ما لو نكحها بلا ولي ووطئها‏,‏ ولأنه لو زنى بها لم تحرم عليه على التأبيد فهذا أولى‏,‏ ولأن آيات الإباحة عامة كقوله تعالى ‏{‏وأحل لكم ما وراء ذلكم‏}‏ وقوله ‏{‏والمحصنات من المؤمنات‏}‏ فلا يجوز تخصيصها بغير دليل وما روي عن عمر في تحريمها‏,‏ فقد خالفه علي فيه وروي عن عمر أنه رجع عن قوله في التحريم إلى قول علي‏,‏ فإن عليا قال‏:‏ إذا انقضت عدتها فهو خاطب من الخطاب فقال عمر ردوا الجهالات إلى السنة ورجع إلى قول علي وقياسهم يبطل بما إذا زنى بها فإنه قد استعجل وطأها‏,‏ ولا تحرم عليه على التأبيد ووجه تحريمها قبل قضاء عدة الثاني عليه قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله‏}‏ ولأنه وطء يفسد به النسب فلم يجز النكاح في العدة منه كوطء الأجنبي‏.‏

فصل

وكل معتدة من غير النكاح الصحيح كالزانية‏,‏ والموطوءة بشبهة أو في نكاح فاسد فقياس المذهب تحريم نكاحها على الواطئ وغيره والأولى حل نكاحها لمن هي معتدة منه‏,‏ إن كان يلحقه نسب ولدها لأن العدة لحفظ مائه وصيانة نسبه ولا يصان ماؤه المحرم عن مائه المحترم‏,‏ ولا يحفظ نسبه عنه ولذلك أبيح للمختلعة نكاح من خالعها ومن لا يلحقه نسب ولدها كالزانية‏,‏ لا يحل له نكاحها لأن نكاحها يفضي إلى اشتباه النسب فالواطئ كغيره في أن الولد لا يلحق نسبه بواحد منهما‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وإن أتت بولد يمكن أن يكون منهما‏,‏ أري القافة وألحق بمن ألحقوه منهما وانقضت عدتها منه واعتدت للآخر‏]‏

وجملته أنها إذا كانت حاملا انقضت عدتها منه بوضع حملها لقوله سبحانه ‏{‏وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن‏}‏ ثم ننظر فإن كان يمكن أن يكون من الأول دون الثاني‏,‏ وهو أن تأتي به لدون ستة أشهر من وطء الثاني وأربع سنين فما دونها من فراق الأول فإنه يلحق بالأول‏,‏ وتنقضي عدتها به منه بوضعه ثم تعتد بثلاثة قروء عن الثاني وإن أمكن كونه من الثاني دون الأول وهو أن تأتي به لستة أشهر فما زاد إلى أربع سنين من وطء الثاني ولأكثر من أربع سنين منذ بانت من الأول فهو ملصق بالثاني دون الأول‏,‏ فتنقضي به عدتها من الثاني ثم تتم عدة الأول وتقدم عدة الثاني ها هنا على عدة الأول لأنه لا يجوز أن يكون الحمل من إنسان والعدة من غيره وإن أمكن أن يكون منهما وهو أن تأتي به لستة أشهر فصاعدا من وطء الثاني‏,‏ ولأربع سنين فما دونها من بينونتها من الأول أرى القافة فإن ألحقته بالأول‏,‏ لحق به كما لو أمكن أن يكون منه دون الثاني وإن ألحقته بالثاني‏,‏ لحق به وكان الحكم كما لو أمكن كونه من الثاني دون الأول فإن أشكل أمره على القافة أو لم تكن قافة لزمها أن تعتد بعد وضعه بثلاثة قروء لأنه إن كان من الأول فقد أتت بما عليها من عدة الثاني‏,‏ وإن كان من الثاني فعليها أن تكمل عدة الأول ليسقط الفرض بيقين فأما الولد‏,‏ فقال أبو بكر‏:‏ يضيع نسبه لأنه لا دليل على نسبته إلى واحد منهما فأشبه ما لو كان مجنونا لم ينتسب إلى واحد منهما وقال أبو عبد الله بن حامد‏:‏ يترك حتى يبلغ‏,‏ فينتسب إلى أحدهما وإن ألحقته القافة بهما لحق بهما ومقتضى المذهب أن تنقضي عدتها به منهما جميعا لأن نسبه ثبت منهما‏,‏ كما تنقضي عدتها به من الواحد الذي يثبت نسبه منهما وإن نفته القافة عنهما فحكمه حكم ما لو أشكل أمره وتعتد بعد وضعه بثلاث قروء‏,‏ ولا ينتفي عنهما بقول القافة لأن عمل القافة في ترجيح أحد صاحبي الفراش لا في النفي عن الفراش كله ولهذا لو كان صاحب الفراش واحدا فنفته القافة عنه‏,‏ لم ينتف عنه بقولها فأما إن ولدت لدون ستة أشهر من وطء الثاني ولأكثر من أربع سنين من فراق الأول لم يلحق بواحد منهما‏,‏ ولا تنقضي به عدتها منه لأننا نعلم أنه من وطء آخر فتنقضي به عدتها من ذلك الوطء ثم تتم عدة الأول‏,‏ وتستأنف عدة الثاني لأنه قد وجد ما يقتضي عدة ثالثة وهو الوطء الذي حملت منه فتجب عليها عدتان‏,‏ وإتمام العدة الأولى‏.‏

فصل

وإذا تزوج معتدة وهما عالمان بالعدة وتحريم النكاح فيها‏,‏ ووطئها فهما زانيان عليهما حد الزنا‏,‏ ولا مهر لها ولا يلحقه النسب وإن كانا جاهلين بالعدة أو بالتحريم‏,‏ ثبت النسب وانتفى الحد ووجب المهر وإن علم هو دونها‏,‏ فعليه الحد والمهر ولا نسب له وإن علمت هي دونه فعليها الحد‏,‏ ولا مهر لها والنسب لاحق به وإنما كان كذلك لأن هذا نكاح متفق على بطلانه فأشبه نكاح ذوات محارمه‏.‏

فصل ‏:‏

وإذا خالع الرجل زوجته ، أو فسخ نكاحه ، فله أن يتزوجها في عدتها ‏.‏ في قول جمهور الفقهاء ‏.‏ وبه قال سعيد بن المسيب ، وعطاء ، وطاوس ، والزهري ، والحسن ، وقتادة ، ومالك ، والشافعي ، وأصحاب الرأي ‏.‏ وشذ بعض المتأخرين ، فقال ‏:‏ لا يحل له نكاحها ، ولا خطبتها ؛ لأنها معتدة ‏.‏ ولنا ، أن العدة لحفظ نسبه ، وصيانة مائه ، ولا يصان ماؤه عن مائه إذا كانا من نكاح صحيح ، فإذا تزوجها ، انقطعت العدة ؛ لأن المرأة تصير فراشا له بعقده ، ولا يجوز أن تكون زوجته معتدة ‏.‏ فإن وطئها ، ثم طلقها ، لزمتها عدة مستأنفة ، ولا شيء عليها من الأولى ؛ لأنها قد انقطعت وارتفعت ‏.‏ وإن طلقها قبل أن يمسها ، فهل تستأنف العدة ، أو تبني على ما مضى ‏؟‏ قال القاضي ‏:‏ فيه روايتان ‏:‏ إحداهما ، تستأنف ‏.‏ وهو قول أبي حنيفة ؛ لأنه طلاق لا يخلو من عدة ، فأوجب عدة مستأنفة ، كالأول ‏.‏ والثانية ، لا يلزمها استئناف عدة ‏.‏ وهو قول الشافعي ، ومحمد بن الحسن ؛ لأنه طلاق في نكاح قبل المسيس ، فلم يوجب عدة ، لعموم قوله سبحانه ‏:‏ ‏{‏ ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ‏}‏ ‏.‏ وذكر القاضي ، في ‏"‏ كتاب الروايتين ‏"‏ أنه لا يلزمها استئناف العدة ، رواية واحدة ، لكن يلزمها إتمام بقية العدة الأولى ؛ لأن إسقاطها يفضي إلى اختلاط المياه ، لأنه يتزوج امرأة ويطؤها ويخلعها ، ثم يتزوجها ويطلقها في الحال ، ويتزوجها الثاني ، في يوم واحد ‏.‏ فإن خلعها حاملا ثم تزوجها حاملا ، ثم طلقها وهي حامل ، انقضت عدتها بوضع الحمل ، على كلتا الروايتين ، ولا نعلم فيه مخالفا ، ولا تنقضي عدتها قبل وضعها بغير خلاف نعلمه ‏.‏ وإن وضعت حملها قبل النكاح الثاني ، فلا عدة عليها للطلاق من النكاح الثاني ، بغير خلاف أيضا ؛ لأنه نكحها بعد قضاء عدة الأول ‏.‏ وإن وضعته بعد النكاح الثاني ، وقبل طلاقه ، فمن قال ‏:‏ يلزمها استئناف عدة ‏.‏ أوجب عليها الاعتداد بعد طلاق الثاني بثلاثة قروء ‏.‏ ومن قال ‏:‏ لا يلزمها استئناف عدة ‏.‏ لم يوجب عليها هاهنا عدة ؛ لأن العدة الأولى انقضت بوضع الحمل ، إذ لا يجوز أن تعتد الحامل بغير وضعه ‏.‏ وإن كانت من ذوات القروء أو الشهور ، فنكحها الثاني بعد مضي قرء أو شهر ، ثم مضى قرءان أو شهران قبل طلاقه من النكاح الثاني ، فقد انقطعت العدة بالنكاح الثاني ، فإن قلنا ‏:‏ تستأنف العدة ‏.‏ فعليها عدة تامة ، بثلاثة قروء ، أو ثلاثة أشهر ‏.‏ وإن قلنا ‏:‏ تبني ‏.‏ أتمت العدة الأولى بقرأين أو شهرين‏.‏

فصل

وإن طلقها طلاقا رجعيا‏,‏ ثم ارتجعها في عدتها ووطئها ثم طلقها انقطعت العدة الأولى برجعته لأنه زال حكم الطلاق‏,‏ وتستأنف عدة من الطلاق الثاني لأنه طلاق من نكاح اتصل به المسيس وإن طلقها قبل أن يمسها فهل تستأنف عدة أو تبني على العدة الأولى‏؟‏ فيه روايتان‏:‏ أولاهما‏:‏ أنها تستأنف لأن الرجعة أزالت شعث الطلاق الأول وردتها إلى النكاح الأول‏,‏ فصار الطلاق الثاني طلاقا من نكاح اتصل به المسيس والثانية تبني لأن الرجعة لا تزيد على النكاح الجديد ولو نكحها ثم طلقها قبل المسيس‏,‏ لم يلزمها لذلك الطلاق عدة فكذلك الرجعة فإن فسخ نكاحها قبل الرجعة بخلع أو غيره احتمل أن يكون حكمه حكم الطلاق لأن موجبه في العدة موجب الطلاق‏,‏ ولا فرق بينهما واحتمل أن تستأنف العدة لأنهما جنسان بخلاف الطلاق‏,‏ وإن لم يرتجعها بلفظه لكنه وطئها في عدتها فهل تحصل بذلك رجعة أو لا‏؟‏ فيه روايتان‏:‏ إحداهما‏,‏ تحصل به الرجعة فيكون حكمها حكم من ارتجعها بلفظه ثم وطئها سواء والثانية‏,‏ لا تحصل الرجعة به ويلزمها استئناف عدة لأنه وطء في نكاح تشعث فهو كوطء الشبهة وتدخل بقية عدة الطلاق فيها لأنهما من رجل واحد وإن حملت من هذا الوطء‏,‏ فهل تدخل فيها بقية الأولى‏؟‏ على وجهين‏:‏ أحدهما تدخل لأنهما من رجل واحد والثاني لا تدخل لأنهما من جنسين فعلى هذا‏,‏ إذا وضعت حملها أتمت عدة الطلاق وإن وطئها وهي حامل ففي تداخل العدتين وجهان فإن قلنا‏:‏ يتداخلان فانقضاؤهما معا بوضع الحمل وإن قلنا‏:‏ لا يتداخلان فانقضاء عدة الطلاق بوضع الحمل‏,‏ وتستأنف عدة الوطء بالقروء‏.‏

فصل

فإن طلقها طلاقا رجعيا فنكحت في عدتها من وطئها فقد ذكرنا أنها تبني على عدة الأول‏,‏ ثم تستأنف عدة للثاني ولزوجها الأول رجعتها في بقية عدتها منه لأن الرجعة إمساك للزوجة وطريان الوطء من أجنبي على النكاح‏,‏ لا يمنع الزوج إمساك زوجته كما لو كانت في صلب النكاح وقيل‏:‏ ليس له رجعتها لأنها محرمة عليه فلم يصح له ارتجاعها‏,‏ كالمرتدة والصحيح الأول فإن التحريم لا يمنع الرجعة كالإحرام ويفارق الردة لأنها جارية إلى بينونة بعد الرجعة بخلاف العدة وإذا انقضت عدتها منه‏,‏ فليس له رجعتها في عدة الثاني لأنها ليست منه وإذا ارتجعها في عدتها من نفسه وكانت بالقروء أو بالأشهر انقطعت عدته بالرجعة‏,‏ وابتدأت عدة من الثاني ولا يحل له وطؤها حتى تنقضي عدة الثاني كما لو وطئت بشبهة في صلب نكاحه وإن كانت معتدة بالحمل‏,‏ لم يمكن شروعها في عدة الثاني قبل وضع الحمل لأنها بالقروء فإذا وضعت حملها شرعت في عدة الثاني‏,‏ وإن كان الحمل ملحقا بالثاني فإنها تعتد به عن الثاني وتقدم عدة الثاني على عدة الأول فإذا أكملتها‏,‏ شرعت في إتمام عدة الأول وله حينئذ أن يرتجعها لأنها في عدته وإن أحب أن يرتجعها في حال حملها ففيه وجهان‏:‏ أحدهما‏,‏ ليس له ذلك لأنها ليست في عدته وهي محرمة عليه فأشبهت الأجنبية أو المرتدة والثاني‏,‏ له رجعتها لأن عدتها منه لم تنقض وتحريمها لا يمنع رجعتها كالمحرمة‏.‏

فصل

إذا تزوج رجل امرأة لها ولد من غيره‏,‏ فمات ولدها فإن أحمد قال‏:‏ يعتزل امرأته حتى تحيض حيضة وهذا يروي عن علي بن أبي طالب والحسن ابنه‏,‏ ونحوه عن عمر بن الخطاب وعن الحسين بن علي والصعب بن جثامة وبه قال عطاء‏,‏ وعمر بن عبد العزيز والنخعي ومالك‏,‏ وإسحاق وأبو عبيد قال عمر بن عبد العزيز‏:‏ لا يقربها حتى ينظر بها حمل أم لا‏؟‏ وإنما قالوا ذلك لأنها إن كانت حاملا حين موته ورثه حملها‏,‏ وإن حدث الحمل بعد الموت لم يرثه فإن كان للميت ولد أو أب أو جد لم يحتج إلى استبرائها لأن الحمل لا ميراث له‏,‏ وإن كانت حاملا قد تبين حملها لم يحتج إلى استبرائها لأن الحمل معلوم وإن كانت آيسة‏,‏ لم يحتج إلى استبرائها لليأس من حملها وإن كانت ممن يمكن حملها ولم يبن بها حمل‏,‏ ولم يعتزلها زوجها فأتت بولد قبل ستة أشهر ورث‏,‏ وإن أتت به بعد ستة أشهر من حين وطئها بعد موت ولدها لم يرث لأنا لا نتيقن وجوده حال موته هذا يروي عن سفيان وهو قياس قول الشافعي‏.‏

فصل

في أحكام المفقود إذا غاب الرجل عن امرأته‏,‏ لم يخل من حالين‏:‏ أحدهما أن تكون غيبة غير منقطعة يعرف خبره‏,‏ ويأتي كتابه فهذا ليس لامرأته أن تتزوج في قول أهل العلم أجمعين إلا أن يتعذر الإنفاق عليها من ماله‏,‏ فلها أن تطلب فسخ النكاح فيفسخ نكاحه وأجمعوا على أن زوجة الأسير لا تنكح حتى تعلم يقين وفاته وهذا قول النخعي والزهري‏,‏ ويحيى الأنصاري ومكحول والشافعي‏,‏ وأبي عبيد وأبي ثور وإسحاق‏,‏ وأصحاب الرأي وإن أبق العبد فزوجته على الزوجية حتى تعلم موته أو ردته وبه قال الأوزاعي‏,‏ والثوري والشافعي وإسحاق وقال الحسن‏:‏ إباقه طلاقه ولنا أنه ليس بمفقود‏,‏ فلم ينفسخ نكاحه كالحر ومن تعذر الإنفاق من ماله على زوجته‏,‏ فحكمها في الفسخ حكم ما ذكرنا إلا أن العبد نفقة زوجته على سيده أو في كسبه‏,‏ فيعتبر تعذر الإنفاق من محل الوجوب الحال الثاني أن يفقد وينقطع خبره‏,‏ ولا يعلم له موضع فهذا ينقسم قسمين‏:‏ أحدهما أن يكون ظاهر غيبته السلامة‏,‏ كسفر التجارة في غير مهلكة وإباق العبد وطلب العلم والسياحة‏,‏ فلا تزول الزوجية أيضا ما لم يثبت موته وروي ذلك عن على وإليه ذهب ابن شبرمة وابن أبي ليلى‏,‏ والثوري وأبو حنيفة والشافعي في الجديد وروي ذلك عن أبي قلابة‏,‏ والنخعي وأبي عبيد وقال مالك والشافعي في القديم‏:‏ تتربص أربع سنين‏,‏ وتعتد للوفاة أربعة أشهر وعشرا وتحل للأزواج لأنه إذا جاز الفسخ لتعذر الوطء بالعنة وتعذر النفقة بالإعسار‏,‏ فلأن يجوز ها هنا لتعذر الجميع أولى واحتجوا بحديث عمر في المفقود مع موافقة الصحابة له‏,‏ وتركهم إنكاره ونقل أحمد بن أصرم عن أحمد‏:‏ إذا مضى عليه تسعون سنة قسم ماله وهذا يقتضي أن زوجته تعتد عدة الوفاة ثم تتزوج قال أصحابنا‏:‏ إنما اعتبر تسعين سنة من يوم ولادته لأن الظاهر أنه لا يعيش أكثر من هذا العمر‏,‏ فإذا اقترن به انقطاع خبره وجب الحكم بموته كما لو كان فقده بغيبة ظاهرها الهلاك والمذهب الأول لأن هذه غيبة ظاهرها السلامة‏,‏ فلم يحكم بموته كما قبل الأربع سنين أو كما قبل التسعين‏,‏ ولأن هذا التقدير بغير توقيف والتقدير لا ينبغي أن يصار إليه إلا بالتوقيف لأن تقديرها بتسعين سنة من يوم ولادته يفضي إلى اختلاف العدة في حق المرأة باختلاف عمر الزوج‏,‏ ولا نظير لهذا وخبر عمر ورد في من ظاهر غيبته الهلاك فلا يقاس عليه غيره القسم الثاني‏,‏ أن تكون غيبته ظاهرها الهلاك كالذي يفقد من بين أهله ليلا أو نهارا أو يخرج إلى الصلاة فلا يرجع‏,‏ أو يمضي إلى مكان قريب ليقضي حاجته ويرجع فلا يظهر له خبر أو يفقد بين الصفين‏,‏ أو ينكسر بهم مركب فيغرق بعض رفقته أو يفقد في مهلكة كبرية الحجاز ونحوها‏,‏ فمذهب أحمد الظاهر عنه أن زوجته تتربص أربع سنين أكثر مدة الحمل‏,‏ ثم تعتد للوفاة أربعة أشهر وعشرا وتحل للأزواج قال الأثرم‏:‏ قيل لأبي عبد الله‏:‏ تذهب إلى حديث عمر‏؟‏ قال‏:‏ هو أحسنها يروي عن عمر من ثمانية وجوه ثم قال‏:‏ زعموا أن عمر رجع عن هذا هؤلاء الكذابين قلت‏:‏ فروي من وجه ضعيف أن عمر قال بخلاف هذا‏؟‏ قال‏:‏ لا إلا أن يكون إنسان يكذب وقلت له مرة‏:‏ إن إنسانا قال لي‏:‏ إن أبا عبد الله قد ترك قوله في المفقود بعدك فضحك ثم قال‏:‏ من ترك هذا القول أي شيء يقول‏,‏ وهو قول عمر وعثمان وعلي وابن عباس وابن الزبير قال أحمد‏:‏ خمسة من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وبه قال عطاء وعمر بن عبد العزيز والحسن‏,‏ والزهري وقتادة والليث‏,‏ وعلي بن المديني وعبد العزيز بن أبي سلمة وبه يقول مالك والشافعي في القديم‏,‏ إلا أن مالكا قال‏:‏ ليس في انتظار من يفقد في القتال وقت وقال سعيد بن المسيب في امرأة المفقود بين الصفين‏:‏ تتربص سنة لأن غلبة هلاكه ها هنا أكثر من غلبة غيره لوجود سببه وقد نقل عن أحمد‏,‏ أنه قال‏:‏ كنت أقول‏:‏ إذا تربصت أربع سنين ثم اعتدت أربعة أشهر وعشرا تزوجت وقد ارتبت فيها وهبت الجواب فيها‏,‏ لما اختلف الناس فيها فكأني أحب السلامة وهذا توقف يحتمل الرجوع عما قاله وتتربص أبدا‏,‏ ويحتمل التورع ويكون المذهب ما قاله أولا قال القاضي‏:‏ أكثر أصحابنا على أن المذهب رواية واحدة وعندي أن المسألة‏:‏ على روايتين وقال أبو بكر‏:‏ الذي أقول به - إن صح الاختلاف في المسألة‏:‏ - أن لا يحكم بحكم ثان إلا بدليل على الانتقال‏,‏ وإن ثبت الإجماع فالحكم فيه على ما نص عليه وظاهر المذهب على ما حكيناه أولا نقله عن أحمد الجماعة وقد أنكر أحمد رواية من روي عنه الرجوع‏,‏ على ما حكيناه من رواية الأثرم وقال أبو قلابة والنخعي والثوري‏,‏ وابن أبي ليلى وابن شبرمة وأصحاب الرأي‏,‏ والشافعي في الجديد‏:‏ لا تتزوج امرأة المفقود حتى يتبين موته أو فراقه لما روى المغيرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها الخبر‏)‏ وروى الحكم وحماد عن علي‏:‏ لا تتزوج امرأة المفقود‏,‏ حتى يأتى موته أو طلاقه لأنه شك في زوال الزوجية فلم تثبت به الفرقة كما لو كان ظاهر غيبته السلامة ولنا‏,‏ ما روى الأثرم والجوزجاني بإسنادهما عن عبيد بن عمير قال‏:‏ فقد رجل في عهد عمر‏,‏ فجاءت امرأته إلى عمر فذكرت ذلك له فقال‏:‏ انطلقي‏,‏ فتربصى أربع سنين ففعلت ثم أتته فقال‏:‏ انطلقي‏,‏ فاعتدي أربعة أشهر وعشرا ففعلت ثم أتته فقال‏:‏ أين ولي هذا الرجل‏؟‏ فجاء وليه‏,‏ فقال‏:‏ طلقها ففعل فقال لها عمر‏:‏ انطلقي فتزوجي من شئت فتزوجت‏,‏ ثم جاء زوجها الأول فقال له عمر‏:‏ أين كنت‏؟‏ قال‏:‏ يا أمير المؤمنين استهوتني الشياطين‏,‏ فوالله ما أدري في أي أرض الله كنت‏؟‏ عند قوم يستعبدونني حتى اغتزاهم منهم قوم مسلمون‏,‏ فكنت في ما غنموه فقالوا لي‏:‏ أنت رجل من الإنس وهؤلاء من الجن‏,‏ فما لك وما لهم‏؟‏ فأخبرتهم خبري فقالوا‏:‏ بأي أرض الله تحب أن تصبح‏؟‏ قلت‏:‏ المدينة هي أرضي فأصبحت وأنا أنظر إلى الحرة فخيره عمر إن شاء امرأته وإن شاء الصداق‏,‏ فاختار الصداق وقال‏:‏ قد حبلت لا حاجة لي فيها قال أحمد‏:‏ يروي عن عمر‏,‏ من ثلاثة وجوه ولم يعرف في الصحابة له مخالف وروى الجوزجاني وغيره بإسنادهم عن علي في امرأة المفقود‏:‏ تعتد أربع سنين‏,‏ ثم يطلقها ولي زوجها وتعتد بعد ذلك أربعة أشهر وعشرا فإن جاء زوجها المفقود بعد ذلك‏,‏ خير بين الصداق وبين امرأته وقضى به عثمان أيضا وقضى به ابن الزبير في مولاة لهم وهذه قضايا انتشرت في الصحابة فلم تنكر فكانت إجماعا فأما الحديث الذي رووه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يثبت‏,‏ ولم يذكره أصحاب السنن وما رووه عن علي فيرويه الحكم وحماد مرسلا والمسند عنه مثل قولنا‏,‏ ثم يحمل ما رووه علي المفقود الذي ظاهر غيبته السلامة جمعا بينه وبين ما رويناه وقولهم‏:‏ إنه شك في زوال الزوجية ممنوع فإن الشك ما تساوى فيه الأمران‏,‏ والظاهر في مسألتنا هلاكه‏.‏

فصل

وهل يعتبر أن يطلقها ولي زوجها ثم تعتد بعد ذلك بثلاثة قروء‏؟‏ فيه روايتان إحداهما يعتبر ذلك لأنه في حديث عمر الذي رويناه‏,‏ وقد قال أحمد‏:‏ هو أحسنها وذكر في حديث علي أنه يطلقها ولي زوجها والثانية لا يعتبر ذلك‏,‏ كذلك قال ابن عمر وابن عباس وهو القياس فإن ولي الرجل لا ولاية له في طلاق امرأته ولأننا حكمنا عليها بعدة الوفاة‏,‏ فلا يجب عليها مع ذلك عدة الطلاق كما لو تيقنت وفاته ولأنه قد وجد دليل هلاكه على وجه أباح لها التزويج‏,‏ وأوجب عليها عدة الوفاة فأشبه ما لو شهد به شاهدان‏.‏

فصل

وهل يعتبر ابتداء المدة من حين الغيبة أو من حين ضرب الحاكم المدة‏؟‏ على روايتين‏:‏ إحداهما يعتبر ابتداؤها من حين ضربها الحاكم لأنها مدة مختلف فيها‏,‏ فافتقرت إلى ضرب الحاكم كمدة العنة والثانية من حين انقطع خبره وبعد أثره لأن هذا ظاهر في موته‏,‏ فكان ابتداء المدة منه كما لو شهد به شاهدان وللشافعي وجهان كالروايتين‏.‏

فصل

فإن قدم زوجها الأول قبل أن تتزوج‏,‏ فهي امرأته وقال بعض أصحاب الشافعي‏:‏ إذا ضربت لها المدة فانقضت بطل نكاح الأول والذي ذكرنا أولى لأننا إنما أبحنا لها التزويج لأن الظاهر موته‏,‏ فإذا بان حيا انخرم ذلك الظاهر وكان النكاح بحاله‏,‏ كما لو شهدت البينة بموته ثم بان حيا ولأنه أحد الملكين فأشبه ملك المال فأما إن قدم بعد أن تزوجت نظرنا فإن كان قبل دخول الثاني بها‏,‏ فهي زوجة الأول ترد إليه ولا شيء قال أحمد‏:‏ أما قبل الدخول‏,‏ فهي امرأته وإنما التخيير بعد الدخول وهذا قول الحسن وعطاء‏,‏ وخلاس بن عمرو والنخعي وقتادة‏,‏ ومالك وإسحاق وقال القاضي‏:‏ فيه رواية أخرى أنه يخير وأخذه من عموم قول أحمد‏:‏ إذا تزوجت امرأته فجاء خير بين الصداق وبين امرأته والصحيح أن عموم كلام أحمد يحمل على خاصه في رواية الأثرم‏,‏ وأنه لا تخيير إلا بعد الدخول فتكون زوجة الأول رواية واحدة لأن النكاح إنما صح في الظاهر دون الباطن‏,‏ فإذا قدم تبينا أن النكاح كان باطلا لأنه صادف امرأة ذات زوج فكان باطلا كما لو شهدت بينة بموته‏,‏ وليس عليه صداق لأنه نكاح فاسد لم يتصل به دخول وتعود إلى الزوج بالعقد الأول كما لو لم تتزوج وإن قدم بعد دخول الثاني بها خير الأول بين أخذها‏,‏ فتكون زوجته بالعقد الأول وبين أخذ صداقها وتكون زوجة الثاني وهذا قول مالك لإجماع الصحابة عليه‏,‏ فروى معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن عمر وعثمان قالا‏:‏ إن جاء زوجها الأول‏,‏ خير بين المرأة وبين الصداق الذي ساق هو رواه الجوزجاني والأثرم‏,‏ وقضى به ابن الزبير في مولاة لهم وقال علي ذلك في الحديث الذي رويناه ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعا فعلى هذا إن أمسكها الأول‏,‏ فهي زوجته بالعقد الأول والمنصوص عن أحمد أنه لا يحتاج الثاني إلى طلاق لأن نكاحه كان باطلا في الباطن وقال القاضي‏:‏ قياس قوله أنه يحتاج إلى طلاق لأن هذا نكاح مختلف في صحته‏,‏ فكان مأمورا بالطلاق ليقطع حكم العقد الثاني كسائر الأنكحة الفاسدة ويجب على الأول اعتزالها حتى تقضي عدتها من الثاني وإن لم يخترها الأول‏,‏ فإنها تكون مع الثاني ولم يذكروا لها عقدا جديدا والصحيح أنه يجب أن يستأنف لها عقدا لأننا تبينا بطلان عقده بمجيء الأول‏,‏ ويحمل قول الصحابة على هذا لقيام الدليل عليه فإن زوجة الإنسان لا تصير زوجة لغيره بمجرد تركه لها وقال أبو الخطاب‏:‏ القياس أننا إن حكمنا بالفرقة ظاهرا وباطنا‏,‏ فهي امرأة الثاني ولا خيار للأول لأنها بانت منه بفرقة الحاكم فأشبه ما لو فسخ نكاحها لعسرته‏,‏ وإن لم نحكم بفرقته باطنا فهي امرأة الأول ولا خيار له‏.‏

فصل

ومتى اختار الأول تركها‏,‏ فإنه يرجع على الثاني بصداقها لقضاء الصحابة بذلك ولأنه حال بينه وبينها بعقده عليها ودخوله بها واختلف عن أحمد فيما يرجع به فروي عنه‏,‏ أنه يرجع بالصداق الذي أصدقها هو وهو اختيار أبي بكر وقول الحسن والزهري وقتادة‏,‏ وعلي بن المديني لقضاء علي وعثمان أنه يخير بينها وبين الصداق الذي ساق هو ولأنه أتلف عليه المعوض‏,‏ فرجع عليه بالعوض كشهود الطلاق إذا رجعوا عن الشهادة فعلى هذا إن كان لم يدفع إليها الصداق‏,‏ لم يرجع بشيء وإن كان قد دفع بعضه رجع بما دفع ويحتمل أن يرجع عليه بالصداق‏,‏ وترجع المرأة بما بقي عليه من صداقها وعن أحمد أنه يرجع عليه بالمهر الذي أصدقها الثاني لأن إتلاف البضع من جهته والرجوع عليه بقيمته والبضع لا يتقوم إلا على زوج أو من جرى مجراه‏,‏ فيجب الرجوع عليه بالمسمى الثاني دون الأول وهل يرجع الزوج الثاني على الزوجة بما أخذ منه‏؟‏ فيه روايتان ذكر ذلك أبو عبد الله بن حامد‏:‏ إحداهما يرجع به لأنها غرامة لزمت الزوج بسبب وطئه لها فرجع بها‏,‏ كالمغرور والثانية لا يرجع بها وهو أظهر لأن الصحابة لم يقضوا بالرجوع فإن سعيد بن المسيب روى أن عمر وعثمان قضيا في المرأة التي لا تدري ما مهلك زوجها‏,‏ أن تربص أربع سنين ثم تعتد عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا ثم تزوج إن بدا لها‏,‏ فإن جاء زوجها خير إما امرأته وإما الصداق فإن اختار الصداق‏,‏ فالصداق على زوجها الآخر وتثبت عنده وإن اختار امرأته‏,‏ عزلت عن زوجها الآخر حتى تنقضى عدتها وإن قدم زوجها وقد توفى زوجها الآخر ورثت‏,‏ واعتدت عدة المتوفى عنها وترجع إلى الأول رواه الجوزجاني ولأن المرأة لا تغرير منها فلم يرجع عليها بشيء‏,‏ كغيرها فإن قلنا‏:‏ يرجع عليها فإن كان قد دفع إليها الصداق رجع به وإن كان لم يدفعه إليها‏,‏ دفعه إلى الأول ولم يرجع عليها بشيء وإن كان قد دفع بعضه‏,‏ رجع بما دفع وإن قلنا‏:‏ لا يرجع عليها وكان قد دفع إليها الصداق لم يرجع به وإن لم يكن دفعه إليها‏,‏ لزمه دفعه ويدفع إلى الأول صداقا آخر‏.‏

فصل

وإن اختارت امرأة المفقود المقام والصبر حتى يتبين أمره فلها النفقة ما دام حيا وينفق عليها من ماله حتى يتبين أمره لأنها محكوم لها بالزوجية فتجب لها النفقة‏,‏ كما لو علمت حياته فإذا تبين أنه كان حيا وقدم فلا كلام‏,‏ وإن تبين أنه مات أو فارقها فلها النفقة إلى يوم موته أو بينونتها منه‏,‏ ويرجع عليها بالباقي لأنا تبينا أنها أنفقت مال غيره أو أنفقت من ماله وهي غير زوجة له وإن رفعت أمرها إلى الحاكم فضرب لها مدة‏,‏ فلها النفقة في مدة التربص ومدة العدة لأن مدة التربص لم يحكم فيه ببينونتها من زوجها فهي محبوسة عليه بحكم الزوجية فأشبه ما قبل المدة وأما مدة العدة‏,‏ فلأنها غير متيقنة بخلاف عدة الوفاة فإن موته متيقن‏,‏ وما بعد العدة إن تزوجت أو فرق الحاكم بينهما سقطت نفقتها لأنها أسقطتها بخروجها عن حكم نكاحه وإن لم تتزوج ولا فرق الحاكم بينهما‏,‏ فنفقتها باقية لأنها لم تخرج بعد من نكاحه وإن قدم الزوج بعد ذلك وردت إليه عادت نفقتها من حين الرد وقد روى الأثرم‏,‏ والجوزجاني عن ابن عمر وابن عباس‏,‏ قالا‏:‏ تنتظر امرأة المفقود أربع سنين قال ابن عمر‏:‏ ينفق عليها من مال زوجها وقال ابن عباس‏:‏ إذا يجحف ذلك بالورثة ولكنها تستدين فإن جاء زوجها أخذت من ماله‏,‏ وإن مات أخذت من نصيبها من الميراث وقالا‏:‏ ينفق عليها بعد في العدة بعد الأربع سنين من مال زوجها جميعه أربعة أشهر وعشرا وإن قلنا‏:‏ ليس لها أن تتزوج لم تسقط نفقتها ما لم تتزوج‏,‏ فإن تزوجت سقطت نفقتها لأنها بالتزويج تخرج عن يديه وتصير ناشزا‏,‏ وإن فرق بينهما فلا نفقة لها ما دامت في العدة فإذا انقضت‏,‏ فلم تعد إلى مسكن زوجها فلا نفقة لها أيضا لأنها باقية على النشوز وإن عادت إلى مسكنه احتمل أن تعود النفقة لأن النشوز المسقط لنفقتها قد زال‏,‏ ويحتمل ألا تعود لأنها ما سلمت نفسها إليه وإن عاد فتسلمها عادت نفقتها ومتى أنفق عليها ثم بان أن الزوج كان قد مات قبل ذلك‏,‏ حسب عليها ما أنفق عليها من حين موته من ميراثها فإن لم ترث شيئا فهو عليها لأنها أنفقت من مال الوارث ما لا تستحقه‏,‏ فأما نفقتها على الزوج الثاني فإن قلنا‏:‏ لها أن تتزوج فنكاحها صحيح حكمه في النفقة حكم غيره من الأنكحة الصحيحة وإن قلنا‏:‏ ليس لها أن تتزوج فلا نفقة لها‏,‏ فإن أنفق عليها لم يرجع بشيء لأنه تطوع به إلا أن يجبره على ذلك حاكم‏,‏ فيحتمل أن يرجع بها لأنه ألزمه أداء ما لم يكن واجبا عليه ويحتمل ألا يرجع به لأن ما حكم به الحاكم لا يجوز نقضه ما لم يخالف كتابا أو سنة أو إجماعا فإن فارقها بتفريق الحاكم أو غيره‏,‏ فلا نفقة لها إلا أن تكون حاملا فينبني وجوب النفقة‏,‏ على الروايتين في النفقة هل هي للحمل أو لها من أجله‏؟‏ فإن قلنا‏:‏ هي للحمل فلها النفقة لأن نسب الحمل لاحق به فيجب عليه الإنفاق على ولده وإن قلنا‏:‏ لها من أجله فلا نفقة لها لأنه في غير نكاح صحيح‏,‏ فأشبه حمل الموطوءة بشبهة وإذا أتت بولد يمكن كونه من الثاني لحقه نسبه لأنها صارت فراشا له وقد علمنا أن الولد ليس من الأول لأنها تربصت بعد فقده أكثر من مدة الحمل‏,‏ وتنقضي عدتها من الثاني بوضعه لأن الولد منه وعليها أن ترضعه اللبأ لأن الولد لا يقوم بدنه إلا به فإن ردت إلى الأول‏,‏ فله منعها من إرضاعه كما له أن يمنعها من رضاع أجنبي لأن ذلك يشغلها عن حقوقه إلا أن يضطر إليها‏,‏ ويخشى عليه التلف فليس له منعها من إرضاعه لأن هذا حال ضرورة فإن أرضعته في بيت الزوج الأول لم تسقط نفقتها لأنها في قبضته ويده‏,‏ وإن أرضعته في غير بيته بغير إذنه فلا نفقة لها لأنها ناشز وإن كان بإذنه‏,‏ خرج على الروايتين فيما إذا سافرت لحاجتها بإذنه‏.‏

فصل

في ميراثها من الزوجين وتوريثهما منها متى مات زوجها الأول‏,‏ أو ماتت قبل تزوجها بالثاني ورثته وورثها وكذلك إن تزوجت الثاني فلم يدخل بها لأننا قد تبينا أنه متى قدم قبل الدخول بها‏,‏ ردت إليه بغير تخيير وقد ذكرنا أن القاضي ذكر أن فيها رواية أخرى أنه يخير فيها فعلى هذه الرواية حكمه حكم ما لو دخل بها الثاني فأما إن دخل الثاني بها نظرنا فإن قدم الأول‏,‏ فاختارها ردت إليه ورثها وورثته ولم ترث الثاني ولم يرثها لأنه لا زوجية بينهما وإن مات أحدهما قبل اختيارها إما في الغيبة‏,‏ أو بعد قدومه فإن قلنا‏:‏ لها أن تتزوج ورثت الزوج الثاني وورثها ولم ترث الأول ولم يرثها لأن من خير بين شيئين‏,‏ فتعذر أحدهما تعين الآخر وإن ماتت قبل اختيار الأول خير‏,‏ فإن اختارها ورثها وإن لم يخترها ورثها الثاني هذا ظاهر قول أصحابنا وأما على ما أختاره فإنها لا ترث الثاني ولا يرثها بحال إلا أن يجدد لها عقدا‏,‏ أو لا يعلم أن الأول كان حيا ومتى علم أن الأول كان حيا ورثها وورثته‏,‏ إلا أن يختار تركها فتبين منه بذلك فلا ترثه ولا يرثها وعلى قول أبي الخطاب‏,‏ إن حكمنا بوقوع الفرقة بتفريق الحاكم ظاهرا وباطنا ورثت الثاني وورثها ولم ترث الأول ولم يرثها‏,‏ وإن لم نحكم بوقوع الفرقة باطنا ورثت الأول وورثها ولم ترث الثاني ولم يرثها فأما عدتها منهما‏,‏ فمن ورثته اعتدت لوفاته عدة الوفاة وإن مات الثاني في موضع لا ترثه فالمنصوص عن أحمد‏,‏ أنها تعتد عدة الوفاة في النكاح الفاسد فعلى هذا عليها عدة الوفاة لوفاته وهو اختيار أبي بكر وقال ابن حامد‏:‏ لا عدة عليها لوفاته لكن تعتد من وطئه بثلاثة قروء فإن ماتا معا‏,‏ اعتدت لكل واحد منهما وبدأت بعدة الأول فإذا أكملتها‏,‏ اعتدت للآخر وإن مات الأول أولا فكذلك‏,‏ وإن مات الثاني أولا بدأت بعدته فإذا مات الأول‏,‏ انقطعت عدة الثاني ثم ابتدأت عدة الأول فإذا أكملتها‏,‏ أتمت عدة الثاني وإن علم موت أحدهما وجهل وقت موت الآخر أو جهل موتهما‏,‏ فعليها أن تعتد عدتين من حين تيقنت الموت وتبدأ بعدة الأول لأنه أسبق وأولى وإن كانت حاملا‏,‏ فبوضع الحمل تنقضي عدة الثاني لأن الولد منه ثم تبتدئ بعده بعدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا‏.‏

فصل

وإذا تزوجت امرأة المفقود‏,‏ في وقت ليس لها أن تتزوج فيه مثل أن تتزوج قبل مضى المدة التي يباح لها التزويج بعدها أو كانت غيبة زوجها ظاهرها السلامة‏,‏ أو ما أشبه هذا فنكاحها باطل وقال القاضي‏:‏ إن تبين أن زوجها قد مات وانقضت عدتها منه‏,‏ أو فارقها وانقضت عدتها ففي صحة نكاحها وجهان‏:‏ أحدهما هو صحيح لأنها ليست في نكاح ولا عدة‏,‏ فصح تزويجها كما لو علمت ذلك والثاني لا يصح لأنها معتقدة تحريم نكاحها وبطلانه وأصل هذا من باع عينا في يده يعتقدها لموروثه‏,‏ فبان موروثه ميتا والعين مملوكة له بالإرث هل يصح البيع‏؟‏ فيه وجهان كذا ها هنا ومذهب الشافعي مثل هذا ولنا أنها تزوجت في مدة منعها الشرع من النكاح فيها فلم يصح‏,‏ كما لو تزوجت المعتدة في عدتها أو المرتابة قبل زوال ريبتها‏.‏

فصل

ويقسم مال المفقود في الوقت الذي تؤمر زوجته بعدة الوفاة فيه وبهذا قال قتادة وقال الشافعي ومالك‏,‏ وأصحاب الرأي وابن المنذر لا يقسم ماله حتى تعلم وفاته لأن الأصل البقاء فلا يزول عنه بالشك‏,‏ وإنما صرنا إلى إباحة التزويج لامرأته لإجماع الصحابة‏,‏ ولأن بالمرأة حاجة إلى النكاح وضررا في الانتظار فاختص ذلك بها ولنا أن من اعتدت زوجته للوفاة قسم ماله‏,‏ كمن قامت البينة بموته وما أجمع عليه الصحابة يقاس عليه ما كان في معناه وتأخير القسمة ضرر بالورثة وتعطيل لمنافع المال‏,‏ وربما تلف أو قلت قيمته فهو في معنى الضرر بتأخير التزويج‏.‏

فصل

وإن تصرف الزوج المفقود في زوجته بطلاق‏,‏ أو ظهار أو إيلاء أو قذف‏,‏ صح تصرفه لأن نكاحه باق ولهذا خير في أخذها وإنما حكمنا بإباحة تزويجها لأن الظاهر موته‏,‏ فلا يبطل في الباطن كما لو شهدت بموته بينة كاذبة‏.‏

فصل

وإذا فقدت الأمة زوجها تربصت أربع سنين‏,‏ ثم اعتدت للوفاة شهرين وخمسة أيام وهذا اختيار أبي بكر وقال القاضي‏:‏ تتربص نصف تربص الحرة ورواه أبو طالب عن أحمد وهو قول الأوزاعي والليث لأنها مدة مضروبة للمرأة لعدم زوجها فكانت الأمة فيه على النصف من الحرة كالعدة ولنا أن الأربع سنين مضروبة لكونها أكثر مدة الحمل‏,‏ ومدة الحمل في الحرة والأمة سواء فاستويا في التربص لها كالتسعة الأشهر في حق من ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه‏,‏ وكالحمل نفسه وبهذا ينتقض قياسهم فأما العبد فإن كانت زوجته حرة‏,‏ فتربصها كتربص الحرة تحت الحر وإن كانت أمة فهي كالأمة تحت الحر لأن العدة معتبرة بالنساء دون الرجال‏,‏ وكذلك مدة التربص وحكي عن الزهري ومالك أنه يضرب له نصف أجل الحر والأولى ما قلناه لأنه تربص مشروع في حق المرأة لفرقة زوجها‏,‏ فأشبه العدة‏.‏

فصل

فإن غاب رجل عن زوجته فشهد ثقات بوفاته فاعتدت زوجته للوفاة‏,‏ أبيح لها أن تتزوج فإن عاد الزوج بعد ذلك فحكمه حكم المفقود يخير زوجها بين أخذها‏,‏ وتركها وله الصداق وكذلك إن تظاهرت الأخبار بموته وقد روى الأثرم بإسناده عن أبي المليح عن سهية أن زوجها صيفي بن فسيل‏,‏ نعى لها من قندابيل فتزوجت بعده ثم إن زوجها الأول قدم‏,‏ فأتينا عثمان وهو محصور فأشرف علينا فقال‏:‏ كيف أقضي بينكم وأنا على هذا الحال‏,‏ فقلنا‏:‏ قد رضينا بقولك فقضى أن يخير الزوج الأول بين الصداق وبين المرأة فرجعنا فلما قتل عثمان أتينا عليا فخير الزوج الأول بين الصداق وبين المرأة فاختار الصداق‏,‏ فأخذ مني ألفين ومن زوجي الآخر ألفين فإن حصلت الفرقة بشهادة محصورة فما حصل من غرامة فعليهما لأنهما سبب في إيجابها وإن شهدوا بموت رجل‏,‏ فقسم ماله ثم قدم فما وجد من ماله أخذه وما تلف منه أو تعذر رجوعه فيه‏,‏ فله تضمين الشاهدين لأنهما سبب الاستيلاء عليه وللمالك تضمين المتلف لأنه أتلف ماله بغير إذنه‏.‏

فصل

وإذا نكح رجل امرأة نكاحا متفقا على بطلانه مثل أن ينكح ذات محرمه‏,‏ أو معتدة يعلم حالها وتحريمها فلا حكم لعقده والخلوة بها كالخلوة بالأجنبية‏,‏ لا توجب عدة وكذلك الموت عنها لا يوجب عدة الوفاة وإن وطئها اعتدت لوطئه بثلاثة قروء منذ وطئها‏,‏ سواء فارقها أو مات عنها كما لو زنى بها من غير عقد وإن نكحها نكاحا مختلفا فيه‏,‏ فهو فاسد فإن مات عنها فنقل جعفر بن محمد‏,‏ أن عليها عدة الوفاة وهذا اختيار أبي بكر وقال أبو عبد الله بن حامد‏:‏ ليس عليها عدة الوفاة وهو مذهب الشافعي لأنه نكاح لا يثبت الحل فأشبه الباطل فعلى هذا إن كان قبل الدخول‏,‏ فلا عدة عليها وإن كان بعده اعتدت بثلاثة قروء ووجه الأول‏,‏ أنه نكاح يلحق به النسب فوجبت به عدة الوفاة كالنكاح الصحيح‏,‏ وفارق الباطل فإنه لا يلحق به النسب وإن فارقها في الحياة بعد الإصابة اعتدت بعد فرقته بثلاثة قروء‏,‏ ولا اختلاف فيه وإن كان قبل الخلوة فلا عدة عليها بلا خلاف لأن المفارقة في الحياة في النكاح الصحيح لا عدة عليها‏,‏ بلا خلاف ففي الفاسد أولى وإن كان بعد الخلوة قبل الإصابة فالمنصوص عن أحمد‏,‏ أن عليها العدة لأنه يجري مجرى النكاح الصحيح في لحوق النسب فكذلك في العدة وقال الشافعي‏:‏ لا عدة عليها لوجهين‏:‏ أحدهما أنها خلوة في غير نكاح صحيح‏,‏ أشبهت التي نكاحها باطل والثاني أن الخلوة عنده في النكاح الصحيح لا توجب العدة ففي الفاسد أولى وهذا مقتضى قول ابن حامد‏.‏

فصل

في عدة المعتق بعضها ومتى كانت معتدة بالحمل أو بالقروء‏,‏ فعدتها كعدة الحرة لأن عدة الحامل لا تختلف بالرق والحرية وعدة الأمة بالقروء قرءان فأدنى ما يكون فيها من الحرية يوجب قرءا ثالثا‏,‏ لأنه لا يتبعض وإن كانت معتدة بالشهور إما للوفاة وإما للإياس أو الصغر فعدتها بالحساب من عدة حرة وأمة‏,‏ فإذا كان نصفها حرا فاعتدت للوفاة فعليها ثلاثة أشهر وثمان ليال لأن الليل يحسب مع النهار‏,‏ فيكون عليها ثلاثة أرباع ذلك وإن كانت معتدة بالشهور عن الطلاق وقلنا‏:‏ إن عدة الأمة شهر ونصف كان عدة المعتق نصفها شهرين وربعا وإن قلنا‏:‏ عدة الأمة شهران أو ثلاثة أشهر فعدة المعتق بعضها‏,‏ كعدة الحرة سواء وأم الولد والمدبرة‏,‏ والمكاتبة عدتهن كعدة الأمة سواء لأنهن إماء‏.‏